حوار افتراضي بين سقراط ودوستويفسكي

سقراط: يا فيودور، ما هو أكبر مخاوفك؟
دوستويفسكي: خوفي الأكبر، يا سقراط، هو أن يكون الإنسان غير قادر على حمل عبء حريته، فيسعى بملء إرادته إلى العبودية، سواء كانت عبودية لأفكار زائفة، أو لأنظمة قمعية، أو حتى لراحة الكسل والجهل.
سقراط: وهل تعتقد أن الناس يختارون العبودية عن وعي؟ أليس الإنسان، كما تقول، يرغب في الحرية؟
دوستويفسكي: هنا تكمن المأساة، يا سقراط. الإنسان يعتقد أنه يريد الحرية، لكنه حين يواجه مسؤوليتها، حين يدرك أن الحرية تعني أن يكون مسؤولًا عن أفعاله وأفكاره، يخاف. فيبحث عن سلطة تملي عليه ما يفعل، عن إيمان ساذج يعفيه من التفكير، عن قائد يقوده حتى لا يتحمل هو ثقل الاختيار.
سقراط: إذن، أنت ترى أن الجهل والراحة أكثر إغراءً من البحث عن الحقيقة؟
دوستويفسكي: الجهل ليس مجرد نقص في المعرفة، بل هو اختيارٌ واعٍ في كثير من الأحيان. الناس يخشون الحقيقة لأنها مرعبة، لأنها تجردهم من الأوهام التي تمنحهم عزاءً زائفًا. ألا ترى كيف يهرب الكثيرون من التساؤل والتفكير النقدي؟ كيف يفضلون القبول الأعمى بما هو قائم؟
سقراط: لكني أؤمن أن الإنسان إذا وُضع على طريق الحوار والتساؤل، فإنه سيسعى بطبيعته نحو الحقيقة. أليس هذا هو جوهر الفلسفة؟
دوستويفسكي: ربما، لكني رأيت في الحياة أمثلة كثيرة على أن الفلسفة وحدها لا تكفي. الإنسان ليس عقلًا مجردًا، بل هو عاطفة وصراع وشكوك. كثيرون لا يريدون الحقيقة، بل يريدون الطمأنينة، حتى وإن كانت قائمة على الوهم.
سقراط: هذا يقودنا إلى سؤال أعمق: هل الإنسان بطبيعته يميل إلى الخير أم إلى الشر؟
دوستويفسكي: الإنسان مزيج من النور والظلام، الخير والشر يتصارعان داخله. أحيانًا يكون ملاكًا، وأحيانًا وحشًا، وأحيانًا الاثنين معًا. والشر ليس دائمًا نابعًا من الكراهية، بل أحيانًا من الحب الأعمى، من الرغبة في السيطرة، من الخوف من الفقدان.
سقراط: إذن، كيف يمكننا أن نوجه الإنسان نحو الخير؟
دوستويفسكي: لا يمكننا إجباره، لكن يمكننا أن نمنحه الفرصة. أن نترك له حرية الاختيار، حتى لو كان اختياره خاطئًا. لا يمكن للخير أن يكون قسرًا، وإلا صار شكلاً آخر من الاستبداد.
سقراط: ربما لهذا السبب كان حُكمي بالإعدام أمرًا حتميًا. لقد سعيت لجعل الناس يفكرون، والتفكير مخيف لمن اعتادوا العيش دون تساؤل.
دوستويفسكي: وهذا بالضبط ما يجعل أفكارك خالدة، يا سقراط. لأنك لم تكن تسعى وراء الأجوبة الجاهزة، بل وراء الأسئلة التي تجعل الإنسان يرى نفسه على حقيقتها.
(يصمت الاثنان لحظة، كما لو أنهما ينظران إلى أعماق النفس البشرية، حيث يلتقي الفيلسوف بالمُفكر، ويبحث كلاهما عن حقيقة قد لا تُقال، لكنها تُحس في صمت الفكر العميق).
أضف تعليق