حوار افتراضي بين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب

عمر بن الخطاب: يا أبا الحسن، أهذه هي الأمة التي اجتهدنا لأجلها، أمة محمد ﷺ التي أرادها الله خير أمة أخرجت للناس؟ كيف آل أمرها إلى أن يتقاتل المسلمون باسمنا؟
علي بن أبي طالب: يا أبا حفص، لم يكن حبنا للدنيا ما دفعنا، ولا سعينا في خلافة إلا لأجل إقامة الحق. لكن يبدو أن الناس لم يفهموا ذلك، فصاروا يرفعون راياتنا وكأنها رايات حرب، بدل أن تكون رايات عدل ووحدة.
عمر: أما كنت أقول لهم دائمًا: "إني لا أريد من الدنيا إلا أن أخرج منها كما دخلت، لا عليّ ولا لي." كيف غفلوا عن هذا؟ أكنت أظن يوم مددتُ يدك للبيعة بعد أبي بكر أننا سنُذكَر لا كإخوة في الدين، بل كخصوم تتقاتل الأمة بسببهم؟
علي: وما كنتُ أريد إلا أن تُقام الحجة بالعدل، لكن الناس أسرعوا في تأويل كل شيء. منهم من جعل حكمك رمزًا للشدة، وجعل حكمي رمزًا للرأفة، وكأن العدل لا يجتمع مع الحزم، وكأن الرحمة لا تجتمع مع القوة!
عمر: وهذا والله هو البلاء! أفلا يفهمون أن الحزم كان من الرحمة، وأن القوة كانت للحق لا للظلم؟ ألم يروا كيف كنتُ أراقب نفسي قبل أن أراقب الناس، وكيف كنتُ أخشى الله أكثر مما أخشى الدنيا؟
علي: ولكن يا عمر، كثير من القلوب لا ترى إلا ما تحب، ولا تفهم إلا ما تهوى. ألم يقل النبي ﷺ إن الفتنة ستقع بعده؟ ألم يُحذّرنا من هذا؟
عمر: بلى، ولكنه قال أيضًا: "إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالكتاب والسنة." فما بال الناس نسوا ذلك، وتركوا الكتاب والسنة، واتخذوا الرجال حججًا للقتال بدل أن يتخذوهم قدوةً للحق؟
علي: يا عمر، أنا وأنت متفقان، ولو أن الأمة عرفت أننا لم نكن إلا أخوين في الله، لما سالت دماء المسلمين بسبب أسمائنا. لكن يبدو أن كل جيل يخطئ بطريقته، فلا يكتفون بالعلم، بل يضيفون إليه الأهواء والمصالح.
عمر: وماذا ترى أن نفعل لو كنا بينهم اليوم؟
علي: لكنت أصرخ فيهم: "اتقوا الله في دينكم! إن الله لم يخلقكم لنصرة رجل، بل لنصرة الحق. فمن أراد نصرتي فلينصر العدل، ومن أراد نصرتك فلينصر التقوى، ولا يكونَن أحدكم وقودًا لحرب لا تزيد الأمة إلا ضعفًا."
عمر: أما أنا، فلكنت أمشي بين صفوفهم، وأضرب بالدِرَّة كل من جعل اسمي ذريعة لسفك الدم، وأقول لهم: "ويلكم! هل كنتم لتقاتلوا بين يدي كما تقاتلون الآن؟ أم أنكم وجدتم في غيابنا فرصةً لتتبعوا أهواءكم؟"
علي: لكننا لسنا بينهم، وما وقع قد وقع. ويبقى السؤال: هل سيتعلمون من خطئهم، أم سيعيدون الكرة جيلاً بعد جيل؟
(ويُخيم الصمت، كأنهما ينظران إلى أجيال قادمة لا تزال تحمل نار الفتنة، في انتظار من يطفئها بالحكمة والتجرد).
أضف تعليق