الإسلام والعدالة: لماذا يعادي الغرب الإسلام؟

كثيرًا ما تُختزل العلاقة بين الغرب والإسلام في أطر سياسية أو أمنية أو ثقافية سطحية، إلا أن القراءة العميقة تُظهر أن جذر هذا العداء قد لا يكون موجهًا للإسلام كدين، بل للوظيفة التي يؤديها الإسلام في التاريخ الإنساني: وظيفة إحياء فكرة العدل المطلق.
🔍 الإسلام ليس هوية بل مشروع حضاري
عندما سُئل أحد المفكرين: «أليس الإسلام هو بحث الإنسان عن هويته؟» كان جوابه قاطعًا: «لا، الإسلام ليس قضية هوية، بل هو قضية إقامة العدل في الأرض». هذه الإجابة ليست مجرد اعتراض لغوي أو فلسفي، بل تعكس اختلافًا جوهريًا في المنظور.
فبينما تسعى الحركات القومية والعرقية للتمسك بالهوية كوسيلة للبقاء، يقدّم الإسلام نفسه كمشروع أخلاقي عالمي، يسعى لتحقيق العدالة والرحمة والكرامة الإنسانية، ليس للمسلمين فقط، بل لكل البشر.
⚖️ العدل والمطلقات: جوهر الفكرة الإسلامية
في لب العقيدة الإسلامية، ترتبط فكرة العدل بفكرة الحقيقة، وهذه الأخيرة لا تستقيم دون الإيمان بوجود مطلقات أخلاقية وميتافيزيقية. الله هو الحق، وهو العدل، وهو الخير، ومنه تُشتق القيم.
أما في السياق الغربي الحديث، فقد تم استبدال المطلقات بمنظومة النسبية المطلقة. فكل شيء نسبي، وكل رأي له وجاهته، وكل قيمة يمكن التفاوض عليها. وهيمنة هذه النسبية ليست فكرية فقط، بل قانونية وتشريعية وسلوكية.
📉 أزمة الإنسان الغربي: من “العدل” إلى “النفعية”
عاش الغرب قرونًا طويلة تحت شعارات العدالة والحرية والكرامة، لكنه في لحظة ما فقد براءته. الحروب الاستعمارية، تجارة العبيد، رأسمالية متوحشة، حروب عالمية، أنظمة قمعية، ثم أخيرًا ثقافة استهلاكية أفرغت الإنسان من معناه.
وحين يأتي الإسلام ويعيد التذكير بأن غاية الإنسان هي تحقيق العدل، وأن هناك خالقًا يحكم بالقسط، يشعر كثير من مفكري الغرب – ولو بشكل لا واعٍ – أن هذا الخطاب يفضحهم، لأنه يُعيد إليهم مرآة تاريخهم ويُذكرهم بإنسانيتهم المفقودة.
📚 دراسات وأمثلة من الواقع
- في دراسة نشرتها جامعة هارفارد (Harvard Divinity School) حول أسباب انتشار الإسلام في أوروبا، أشارت إلى أن كثيرًا من معتنقي الإسلام الجدد يرون فيه نظامًا أخلاقيًا متماسكًا أكثر من كونه مجرد عقيدة روحية.
- الباحثة الأمريكية سوزان دوغلاس كتبت في مجلة «Foreign Policy» أن «الخوف الغربي من الإسلام ليس دينيًا بالضرورة، بل لأنه يمثل منظومة قيمية منافسة، تتحدى مركزية الغرب ومرجعيته الفكرية».
- في كتابه «إسلاموفوبيا»، يقول إدوارد سعيد إن الإعلام الغربي لا يعادي الإسلام كدين صلاة وصوم، بل يعادي الإسلام كخطاب مقاومة يملك معايير للعدل تتجاوز معايير الحداثة النفعية.
🧠 لماذا تزعج فكرة العدل الغرب؟
لأن العدل في الفهم الإسلامي ليس مسألة نسبية أو قابلة للتفاوض. العدل لا يتغير بتغير المصالح، ولا يُفصّل حسب القوة والنفوذ. بل هو معيار ثابت يستمد قوته من إيمان عميق بأن الإنسان مكرّم، وأن الظلم جريمة كونية، لا مجرد مخالفة قانونية.
من هنا، فإن الإسلام لا يعارض الغرب كجغرافيا، ولا كثقافة، بل يعارض اختزال الإنسان في سلعة، أو هوية مرنة، أو أداة إنتاج فقط. يعارض تحول العدالة إلى شعار أجوف، لا أثر له في الواقع.
📌 خاتمة: الإسلام كتذكير بالنبـل المفقود
عندما يَظهر صوت ينادي بإقامة العدل على الأرض، يُشعل ذلك جراحًا قديمة في الوعي الغربي. لأن الغرب كان، يومًا ما، يؤمن بهذه القيم، لكنه تخلى عنها تحت وطأة المصلحة والسلطة والربح.
لهذا السبب، فإن عداء الغرب للإسلام ليس عائدًا فقط إلى الخوف من الآخر، بل لأنه تذكير صارخ بـالنبـل الإنساني الذي فقدوه، والبراءة التي سقطت، والعدالة التي أصبحت بعيدة المنال.
أضف تعليق