مهندس برمجيات & مطور ويب

يا شامُ.. بين وجع نزار وصوت الأمل

يا شامُ.. بين وجع نزار وصوت الأمل

في لحظة من أشد لحظات الانكسار العربي، كتب الشاعر الكبير نزار قباني قصيدته الشهيرة، التي حملت وجع دمشق وكل العواصم التي عانت من الصمت والتراجع. قصيدة تعكس الخيبة من التاريخ والواقع والناس، وتحمل في طياتها أسئلة الهوية والمصير والمقاومة.

قصيدة نزار قباني: صرخة دمشق

يا شام، أين هما عينا معاويةٍ      وأين من زحموا بالمنكب الشهبا
فلا خيول بني حمدان راقصةٌ      زهواً... ولا المتنبي مالئٌ حلبا
وقبر خالد في حمصٍ نلامسه      فيرجف القبر من زواره غضبا
يا رب حيٍ.. رخام القبر مسكنه      ورب ميتٍ.. على أقدامه انتصبا
يا ابن الوليد.. ألا سيفٌ تؤجره؟      فكل أسيافنا قد أصبحت خشبا
دمشق، يا كنز أحلامي ومروحتي      أشكو العروبة أم أشكو لك العربا؟
أدمت سياط حزيران ظهورهم      فأدمنوها.. وباسوا كف من ضربا
وطالعوا كتب التاريخ.. واقتنعوا      متى البنادق كانت تسكن الكتبا؟
سقوا فلسطين أحلاماً ملونةً      وأطعموها سخيف القول والخطبا
وخلفوا القدس فوق الوحل عاريةً      تبيح عزة نهديها لمن رغبا..
هل من فلسطين مكتوبٌ يطمئنني      عمن كتبت إليه.. وهو ما كتبا؟
وعن بساتين ليمونٍ، وعن حلمٍ      يزداد عني ابتعاداً.. كلما اقتربا
أيا فلسطين.. من يهديك زنبقةً؟      ومن يعيد لك البيت الذي خربا؟
شردت فوق رصيف الدمع باحثةً      عن الحنان، ولكن ما وجدت أبا..
تلفتي... تجدينا في مباذلنا.. من      يعبد الجنس، أو من يعبد الذهبا
فواحدٌ أعمت النعمى بصيرته      فانحنى وأعطى الغواني كل ما كسبا
وواحدٌ ببحار النفط مغتسلٌ      قد ضاق بالخيش ثوباً فارتدى القصبا
وواحدٌ نرجسيٌ في سريرته      وواحدٌ من دم الأحرار قد شربا
إن كان من ذبحوا التاريخ هم      نسبي على العصور.. فإني أرفض النسبا
يا شام، يا شام، ما في جعبتي طربٌ      أستغفر الشعر أن يستجدي الطربا
ماذا سأقرأ من شعري ومن أدبي؟      حوافر الخيل داست عندنا الأدبا
وحاصرتنا.. وآذتنا.. فلا قلمٌ      قال الحقيقة إلا اغتيل أو صلبا
يا من يعاتب مذبوحاً على دمه      ونزف شريانه، ما أسهل العتبا
من جرب الكي لا ينسى مواجعه      ومن رأى السم لا يشقى كمن شربا
حبل الفجيعة ملتفٌ على عنقي      من ذا يعاتب مشنوقاً إذا اضطربا؟
الشعر ليس حماماتٍ نطيرها      نحو السماء، ولا ناياً.. وريح صبا
لكنه غضبٌ طالت أظافره      ما أجبن الشعر إن لم يركب الغضبا

وبينما ظلّت هذه القصيدة مرآةً للألم، فإن صوت الأمل لا بد أن يُكتب، لا ليعارض نزار، بل ليُكمل ما بدأه. فكتبت هذه القصيدة كردٍّ شعري صادق على تلك الصرخة، لأقول إن التاريخ ما زال يُكتب، وإن المجد لا يموت إذا كانت القلوب حيّة:

ردي على نزار قباني: يا شامُ عودي

يا شامُ عودي، ففي عينيكِ ما عَجِبَ  
نهرٌ يُغنّي، ومجدٌ فيكِ قد كُتِبَ  

يا خالدًا قُم، فقد عادتْ سيوفُنا  
تَجلو المآسي، وتُحيي ما الهوى سَلَبَ  

يا سيفَ أمجادِنا المرفوعِ في يدِنا  
من أجلك اليومَ هذا النصرُ قد وَجَبَ  

ومعاويةٌ يبتسمُ الآن في قَصرِهِ  
يُهدي الخيولَ لمن أعلوا به الرُّتَبَ  

يا نزارُ، عُدْ، ففي الأوطانِ بهجتُها  
والشعرُ يصدحُ، والتاريخُ قد كَتَبَ  

دمشقُ عادتْ، وعودُ العزِّ مُزدهِرٌ  
والنخلُ شامخُ رأسٍ في السما اقتربَ  

يا شامُ، أهلاً بمن عادوا ليُحيوا ما  
ماتَت به الأمسُ والأحزانُ والعتبَ

يا شام، لا زلنا نكتب، ونؤمن، ونبني، ونغضب إن احتجنا، ونحلم إن استطعنا. فالشعر ليس فقط مرآة للخذلان، بل أيضًا جسر نحو المجد.. حين يُقال في وقته.

أضف تعليق